الأحد، 19 يوليو 2009

الشهيد عقل يَخْلُدُ مُكِرّا مُفرَا حيَا في المعارك ضد الجدار في نعلين


الشهيد عقل يَخْلُدُ مُكِرّا مُفرَا حيَا في المعارك ضد الجدار
ذكرى الشهيد عقل صادق سرور الذي استشهد يوم الجمعة الخامس من يونيو 2009
كان الشهيد عقل صادق سرور ابن قرية نعلين يقود الشباب في المظاهرات الأسبوعية ضد الجدار. حدث وأن استهدفه الجيش الإسرائيلي لقتله في شهر آذار من هذه السنة لكنه نجا وكان لنا معه لقاء وحديث في اليوم التالي من الإصابة حين شرح لنا كيف أصيب في يده التي منعت قبلة الغاز من الوصول إلى رأسه. إلا ان الجيش الإسرائيلي تمكن من قنصه يوم 5 حزيران 2009
وهكذا كنا مع الشهيد الذي ناولنا فنجانا من القهوة السادة ورشف معنا حصته مما تبقى له من أيام في هذه الحياة. عندما أتممنا طقوس شرب قهوة الموتى أردنا مع الشهيد أن نقرأ الفاتحه على روحه هو.
فبسلمنا وقرأناها معا ثلاثتنا ؛الشهيد نفسه ابن نعلين بمعية الشاعر عادل خليفة ابن ام الفحم وأنا ابن قرية اللجون المهجرة.
أقمنا هذا الطقس العزائي الذي تأرجح بين قصور الشهداء على عتبات الغياب وبين باحة البيت وتحت شجرتي "أبو السعدات" الليمون والباسيفلورا التي يلتقي عندها قادة اللجنة الشعبية لمقاومة الجدار كل يوم جمعة بعد انتهاء المظاهرة الأسبوعية لتلخيص أحداث الأسبوع.
أن تتحدث الى شهيد حي وأن تتنقل في وَجْدِك بين مجمع الشهداء وحياتك القصيرة يودي بأن تُحدث في حضورك مشاعر اعتمار الخلود لمعنى التضحية للوطن.
جلسنا وإذا بعقل الشهيد الحي الذي لقب "أبو الجندل" تيمنا بصاحبنا من معركة جنين يطرح السلام.
ويقول بتسائل : كيف سنهزم العدو
فيبادره عادل : خبِّرنا ما شأن إصابتك في يدك؟
فيقول لقد استهدف الجيش هذا الأسبوع رأسي مثلما استهدفوا الجريح المتضامن الأمريكي تريستان أنديرسون قبل اسبوعين في المظاهرة أمام الجامع والذي ما زال في غيبوبة تحت خوف الموت السريري, لكن "يدا ما إلهية" دفعت بيدي إلى أن تحمي رأسي فتكسرت أصابعي, وذاق ذقني من القنبلة قليلا من الوخز المحلى بالغاز المسيل للدموع مثلما حدث لأخي "عايد" الذي فقد عينه اليمنى قبل شهرين عندما دافع عني في تصديه للجنود الذين عزموا على اعتقالي في منتصف الليل !
لكنني الآن جاهزٌ بكامل فلسطينيتي أن أودع روحي للشهادة, وأنا أعرف بأنهم يستهدفونني.
فأبادره أنا بالمعضلة الأزلية : فإذا يا رجل نحن مع شهيدٍ "في حضرة الغياب" و"على فوهة الوقت " فحدثنا قليلا عن الشهداء الذين يربتون على كتفك ويرقبوننا بما نحن على الأرض فاعلون وفيما إذا نحن عن الوطن مدافعون !
فقال يتوجب علينا أن نقرأ الفاتحة على روح الشهداء وعلى روحي أنا ومن بعدها لربما نتناول فنجان قهوتنا العربية وقليلا من التمر الذي لا يمكن أن يتواجد في هذه الساعة فلنأكل لذلك حبة ليمون من هذه الشجرة النعلينية المباركة.
ففعلنا مثلما أمرنا الشهيد بأمرٍ استحوذ على مخيلتنا في قدومه من رهبة الغيب وسدرة المنتهى وتدابير حيوات الشهداء وقرأنا الفاتحة وشربنا القهوة وأكلنا معه ليمونةً ولم "نُطِل الحديث عن القيامة" ولم "نر قناصته" الذين صوبوا نحونا قنبلة غاز فاستنشقنا نصيبنا من حمّام الغاز لنعرف بأننا في خضم المعركة حيث استهترنا معلقين على غباء عقلية الجنود وعَقِيِدِيهم الذين يتوهمون بأن الغاز سيثنينا عن إرادتنا.
وقف عادل وطلب أن يعانقه عناق الواقفين على درج السماء وحد السيف فتعانقنا تحت ظلال الرهبة السماوية وودعنا شهيدا حيا بما يتوخى من قدسية الدفاع عن وطننا.
شهرٌ يمر ونلتقي في الشهيد الحي عقل صادق سرور في احدى المظاهرات ضد الجدار فأناديه من بعيد والسيد أيمن نافع رئيس بلدية نعلين
وقلت له يا عقل : أتسمح سيادتك أن ألتقط لي معك الشهيد صورة بمعية شاهدٍ على تصميمنا على تحرير الوطن لتكون توثيقا للأحياء والشهداء معا.
فابتسم وقال ستكون هذه الصورة لأول شهيد عاد الى الحياة ويتنقل بين الحضور والغياب.
لم يمر الوقت أكثر من ستين يوما واستُهدِف عقل الذي يقود شباب "حماس" حين لم يثنيه الرصاص في لحظة استشهاده من الانقضاض بين الرصاص والقنابل لسحب الجريح ابن حركة "فتح" محمد مصلح موسى الذي أصابه الجنود لتوها .
ي تلك الحظة أدرك الجنود بأن عقلا قد أُستدرج إلى مرمى قنصهم ... فاستصوبوا الرصاص من بنادقهم إلى قلبه ... وحينها انفرج القلب عن دماءه الزكية فكان أن استنار المكان كفعل بزوغ الشمس .

لم يغب عن ذهني بأننا كنا محاطين في لقائاتنا في نعلين بالأطفال الذين استرقوا السمع وترقبوا حركات عقل ليتعلموا من خفقات قلبه وهدير دمه معنى حب الوطن والفداء والخلود.

خالد محاميد
2009-06-10

ليست هناك تعليقات: